ــــــــــــــــــــ آية استوقفتني ــــــــــــــــــــــــ
موضوع مهم للغاية فى زماننا هذا الذى اصبح كل فرد فينا الا من رحم ربى يسئ الظن حتى فى نفسه نسال الله السلامة
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ }الحجرات12
نهى هنا الله - عز وجل- عن إساءة الظن بالمؤمنين
وقد أخرج البخاري ومسلم قوله صل الله عليه وسلم (( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث )) .
يحكم الإنسان على الأشخاص والأحداث التي تمر عليه بحكم معين، إما بالإيجاب، أو بالسلب، وهو في ذلك ينطلق من إحدى حالتين:
إما بالعلم، أي أن عنده من الأدلة والشواهد ما يثبت به رأيه. وإما بالظن، أي أنه يبني حكمه على التخيلات، والاحتمالات والتي قد تكون صحيحة أوغير صحيحة.
الأصل في الإنسان العاقل أن يبني أحكامه ومواقفه على العلم كما يقول تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء: 36).
حينما تريد أن تحكم على شخص معين، أو أمر ما، فعليك التأكد والتثبت من صحة الأدلة والبراهين
القاضي مثلاً لا يصدر حكماً إلا إذا توفرت له الأدلة والبراهين التي يدّعم بها حكمه.
والعالم الفقيه لا يعطي فتواه إلا بعد مراجعة الأدلة التي يحتاجها لاستنباط الحكم الفقهي للمسألة.
وهذا يعطينا منهجية واضحة بيّنة لما ينبغي أن يمارسه الإنسان المسلم في كل تفاصيل وجزئيات حياته عندما يريد أن يحكم على شيء معين.
أما أن يحكم الإنسان على شيء بغير علم، معتمداً على الأوهام والاحتمالات فهو منهج خاطئ، غالباً ما يؤدي بالإنسان إلى الانحراف عن جادة الصواب، فيضر نفسه وغيره.
الظن:
فالظن هو ما يختلج في النفس من تصور تجاه شخص أو حدث معين، وليست هناك أدلة وبراهين تثبته، وهو مثل الوهم والشك، ومتى ما وجدت الدلائل والبراهين تحول الظن إلى علم ويقين.
ولأن الظن يبقى متأرجحاً بين النفي والإثبات، بين الصحة وعدمها، لذا ينهى القرآن الكريم عن إتباع الظن والتعويل عليه في الحكم على الآخرين ﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم﴾. ولكن ما معنى قوله تعالى بعض الظن إثم؟ هل يعني أن بعضه الآخر ليس إثماً؟
المفسرون هنا يقولون إن كثيراً من الظن هنا ليست في مقابل قليل من الظن، فالآية هنا لا تقول خذوا فقط بعشرين بالمائة من الظن واجتنبوا الثمانين مثلاً، فهذا لا يتناسب مع توجيه الآية.
كثير من الظن هنا تعني الظنون السيئة، فكلها ينبغي اجتنابها، وكأن مضمون الآية الكريمة يفصح عن أن الظنون التي تساور الإنسان تجاه الآخرين إما أن تكون حسنة وإما سيئة، ولكن أكثرها سيئة لذا ينبغي اجتنابها، أي اجتناب الظنون السيئة وكلها داخلة في دائرة الإثم، أما الظنون الحسنة فلا إشكال فيها بل لا ينبغي اجتنابها لأنها توطد العلاقة بالآخرين.
الإثم:
أكثر الظنون سيئة، وكل ظن سيء إثم، فماذا يعني الإثم؟
بعض العلماء يرى أن الإثم هو العقوبة، ولكن الإشكال هنا؛ كيف يعاقب الإنسان على ما حصل له بغير اختيار، فالظن ليس حالة اختيارية؟
ثم قالوا بأن العقوبة تقع مع ترتيب الأثر، فالظن بحد ذاته وإن كان سيئاً ما لم يصاحبه أثر يدل عليه فلا عقاب فيه، أما إذا أساء شخص ما ظناً بآخر فسبّه أو ضربه أو أساء إليه فهنا يكون مأثوماً.
وبعض العلماء المحققين أشاروا إلى أن الإثم هنا يعني المفسدة والسوء، وليس العقوبة، وهكذا يندفع الإشكال الذي أثير حول هذه الآية الكريمة.
الظنون السيئة:
يمكننا تقسيم الظنون السيئة إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول:
الظن بوقوع ما هو سيء بدون دليل وبرهان، بل بناء على احتمالات وأوهام، فيطلق حكماً على هذا أو ذاك بدون دليل قاطع. يضيع مني شيئ مثلاً فأتهم شخصاً لهاجس خطر ببالي دون أن أثبت ذلك بدليل قاطع، وهذا أمر لا يجوز فأصل التصور فيه ظلم لمن اتهمته، وترتيب الأثر عليه هو ظلم آخر.
القسم الثاني:
إساءة الظن من مقصد فعل هو في حد ذاته ليس سيئاً: كأن أرى إنساناً يعمل عملاً ظاهره الحسن إلا أنه قابل للتفسير حسب مقصده ولكني وبدون دليل أسيء الظن في غايته. كأن أتهم إنساناً يصلي بأنه يرائي دون أن يكون عندي دليل وكأنني شققت عن قلبه، أو اطلعت على نيته.
التشكيك في غايات الناس أمر سيء ولا يجوز، وهو ظلم وادعاء بغير علم.
القسم الثالث:
إساءة الظن من مقصد فعل هو في حد ذاته سيئاً ولكنه يحتمل التبرير: كأن ترى شخصاً يعمل عملاً ظاهره السوء ولكن يحتمل أن يكون له مبرر شرعي وبدون أن تضع هذا الاحتمال تشكك في أمره وتسيء الظن فيه.
ترى شخصاً مسلماً يأكل في نهار شهر رمضان وهذا بلا شك عمل محرم، ولكن هناك احتمال أن يكون هذا الشخص مريضاً أو مسافراً، أو له عذر ما، فلا يجوز أن تتهمه جزافاً بدون دليل.
من أجل أن تكون علاقتنا مع بعضنا حسنة، فلا بد أن نحمل بعضنا على حسن الظن.
كما هو الحال في القضاء مثلاً، فإذا كانت هناك دعوة أمام القضاء فان وجود احتمال معين يلغي وجود الدليل وكما يقول العلماء (وجود الاحتمال يسقط الاستدلال).
حسن الظن وحاجتنا إليه:
ما أحوج مجتمعاتنا إلى الأخذ بحسن الظن سواء على المستوى الفردي أو بين الجماعات فنحن نواجه مشكلة في العلاقة بين الجماعات، كل جماعة تسيء تفسير تصرف الجماعة الأخرى، ولعل تصرفاً فردياً يصدر من أحد الأفراد فيحسب على الجماعة بأكملها وهذا غير صحيح، من أخطأ هو من يتحمل المسؤولية.
ترى من يحكم على عمل ما بأنه حسن ويدعمه بكل قوة ما دام من قام به شخص من دائرته، ولكن متى ما قام شخص ما بنفس العمل ولكنه من دائرة غير التي ينتمي إليها فالحكم هنا يكون بالعكس.
ينبغي على كل إنسان مؤمن عاقل أن يتجاوز هذه الحالة وينظر إلى الآخرين نظرة إيجابية، ولو جال في خاطره تصور خاطئ على شخص ما فعليه أن لا يبنيَ عليه موقفاً قد يضر أو يسيء به إلى الآخر، فذاك إثم وظلم نهى عنه الشرع القويم، ويرفضه العقل السليم.
نأمل من الله العظيم أن يوفقنا للتحلي بمكارم الأخلاق، التي ترقى بنا نحو الكمال، حتى نظهر بالوجه المشرق للإسلام.
وصل الله على محمد نبينا الحبيب وآله الميامين وسلم تسليماً كثيراً.